کد مطلب:187319 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:243

و سلاحه البکاء (15)
كذئاب مسعورة انشبت أنیابها فی الخیام، و قد أیقظ الشیطان شهوة الغزو و النهب فی النفوس الآدمیة.

فر الأطفال علی وجوههم، و قلوبهم تبحث عن رجل كان یحمیهم. الأیدی الصغیرة تتشبث بالهواء، و القبائل تطارد نسوة حاسرات، و المخالب البشریة تنتزع أقراطا و أساور.

أنشب ذئب مخالبه فی قرط لفاطمة و انتزعه بقسوة. سالت الاذن دما.

كان الرجل یبكی.. تسیل دموعه.. یعبر عن ذات منفصمة.

عن شرخ بین ضمیره و ارادته، بین قلب یعرف الحق و أید ملوثة ترید خنقه.

و تعجبت الفتاة المقهورة من دموع التماسیح:

- مالك تبكی؟

قال و هو ینتزع القرط الآخر:

- كیف لا أبكی و أنا أسلب ابنة محمد.



[ صفحه 50]



- دعنی اذن.

صاح السامری المبهور بالذهب:

- أخاف أن یأخذه غیری.

و اقتحمت الذئاب خیمة فیها علی.

جرد الأبرص سیفا ما یزال مضمخا بدماء الحسین، كلمات الأرقط ما تزال تدوی فی أعماقه:

- لا تدعوا منهم صغیرا و لا كبیرا.

انبرت زینب بشجاعة والدها العظیم:

- لا یقتل حتی اقتل دونه.

هتف ذئب لم یرتطم بقعر الحضیض بعد:

- انما هو صبی مریض.

بدا ذو حسم» كناسك حزین أو شیخ أحنت هامته السنون فهو ینظر ساهما الی ما یجری حوله. الفضاء یمتلأ دخانا و ألسنة النار كرؤوس الشیاطین تلتهم خیاما تعصف بها الریح من كل مكان.

و الذئاب تعوی مأخوذة بشهوة النهب.

مثل دوامة مالها من قرار، كانت القبائل تدور حول نسوة و أطفال؛ قلوب صغیرة خائفة كحمائم بریة وسط ریح شتائیة عاتیة و دموع كلآلئ انفرطت عن نظمها، تسح من عیون تجمعت فیها غیوم حزینة.

یوم للدماء و یوم للدموع حتی تطهر الأرض و یغتسل الانسان.



[ صفحه 51]



لتتدفق الدموع أنهارا تغسل كل الأدران الآدمیة، لتتفجر ینابیع الحزن، لیندم قابیل مدی الحیاة.. لیختبئ فی الكهوف و المغارات و لیواری سوأته لیطهر یدیه من دماء أخیه هابیل. ما یزال هابیل المضمخ بأولی الدماء البشریة یطارده فی كل مكان.

كمرأة اكتشفت هول جریمتها توا بدت الكوفة فی تلك الظهیرة الملتهبة..

نساء و أطفال و نیاق و جمال هو كل ما غنمته القبائل من عارها الأبدی.

كان منظر علی فوق بعیر ضالع و قد غلت یداه الی عنقه و الدماء تشخب من أوداجه یجسد وحشیة القبائل المفتونة بالغدر.

یا لهذا الأسیر الحر انه ینظر الی ما وراء الأیام؛ نظراته تهیمن علی الحشود البشریة المتراصة ترید أن تصغی الی كلمات الانسان عندما یقهر هل یخضع أم یثور. ولكن علیا انتهج طریقا آخر للمقاومة و الصبر.

سكنت الأنفاس و هدأت الأجراس، وهیمن صمت مهیب فانسابت كلمات كنبع سماوی:

- أیها الناس: من عرفنی فقد عرفنی و من لم یعرفنی فأنا علی بن الحسین بن علی، أنا ابن من انتهكت حرمته، و سلبت نعمته و انتهب ماله، و سبی عیاله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غیر ذحل و لا ترات، أنا ابن من قتل صبرا و كفی بذلك فخرا. أیها الناس ناشدتكم



[ صفحه 52]



الله هل تعلمون انكم كتبتم الی أبی و خدعتموه و اعطیتموه من أنفسكم العهود و المیثاق و البیعة؟

كان الصمت ما یزال مهیمنا یضج: نعم.. نعم.

و أدرك علی ضجیج الصمت المثقل بالندم:

- فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم، و سوأة لرأیكم، بأیة عین تنظرون الی رسول الله اذ یقول لكم: قتلتم عترتی و انتهكتم حرمتی فلستم من امتی.

مثلما ینفجر البركان.. مثلما تنهار قشرة الأرض عن كظم الحمم الفائرة، انفجر الحشد المشدوه بالبكاء.. البكاء الذی یحكی قصة التیه و الضیاع و الیأس.

و انفتحت كوة من أمل:

- رحم الله امرءا قبل نصیحتی و حفظ وصیتی فی الله و فی رسوله و أهل بیته، فان لنا فی رسول الله اسوة حسنة.

هتفت الحشود البشریة المتراصة، و تدفقت الكلمات كأجساد تتراكض نحو باب الخلاص.

- نحن یابن رسول الله سامعون مطیعون حافظون لذمامك غیر زاهدین فیك، و لا راغبین عنك، فمرنا بأمرك یرحمك الله فانا حرب لحربك، و سلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك و ظلمنا.

ما تزال الكوفة هی هی لم تتغیر بعد. الكلمات المعسولة و الوعود الفارغة، التی تعبر عن ضمیر مذعور و ارادة میتة.



[ صفحه 53]



التاریخ لا تصنعه الكلمات الجوفاء و الوعود الطنانة.. تصنعه الارادة الفولاذیة و القلوب التی لا تعرف غیر الحق..

هتف علی بصوت مبحوح من الحزن:

- هیهات.. هیهات.. أیها الغدرة المكرة.. حیل بینكم و بین شهوات أنفسكم، أتریدون أن تأتوا الی كما أتیتم الی أبی من قبل؟ كلا و رب الراقصات، فان الجرح لما یندمل، قتل أبی بالأمس و أهل بیته و لم ینس ثكل رسول الله و ثكل أبی و بنی أبی، ان وجده والله لبین لهاتی، و مرارته بین حناجری و حلقی، و غصته تجری فی فراش صدری.



[ صفحه 54]